ولدت ميتة.. فشل «ثورة المفاصل» الإخوانية.. صناعة وهمية من واشنطن لإسطنبول وتحطمت في القاهرة
في كل مرة تقترب فيها مصر من الاستقرار السياسي أو الاقتصادي، تعود جماعة الإخوان الإرهابية ومنصاتها الإعلامية إلى محاولة إحياء أوهام الثورات المصطنعة لإعادة مشهد الفوضى إلى الشارع المصري.
هذه المرة جاء الدور على ما يسمى بـثورة المفاصل، التي رُوّج لها عبر صفحات مغمورة على مواقع التواصل الاجتماعي، لا يتجاوز عدد متابعيها بضع آلاف، لكنها تحاول الظهور بمظهر الحركة الشعبية الكبرى.
الجديد في هذه المحاولة أن أدوات الذكاء الاصطناعي دخلت على الخط لتزييف مقاطع فيديو لرموز رياضية إخوانية مثل محمد أبو تريكة، في محاولة لاختراق وجدان الجمهور واستغلال مشاعره، غير أن هذه المحاولة وُلدت ميتة قبل أن تبدأ، وأثبتت أن مخططات التنظيم فقدت زخمها وفقدت قدرتها على تحريك الشارع.
**صفحات مغمورة وفيديوهات مفبركة
المتابع لحملة "ثورة المفاصل" يكتشف سريعا أن حجمها لا يتعدى فقاعة على فيسبوك، وتويتر وتيك توك.، فالصفحة الرئيسية التي تقود الدعوة لا يتجاوز عدد متابعيها عشرة آلاف، ومعظمهم الحسابات وهمية أو مجهولة الهوية، أما أدواتها الدعائية فتعتمد على مقاطع فيديو مفبركة بتقنيات الذكاء الاصطناعي، يظهر فيها لاعب الكرة محمد أبو تريكة، المقيم في قطر، وكأنه يدعو الجماهير للنزول إلى الشوارع في ثورة تستهدف الدولة المصرية.
هذه المقاطع أثارت سخرية واسعة على مواقع التواصل، بعدما اكتشفوا أن الصوت مركب، وحركة الشفاه غير متطابقة، وأن المحتوى من إنتاج ورش رقمية تابعة للإخوان في إسطنبول. وبذلك، تحوّل ما كان يفترض أن يكون شرارة ثورة إلى مادة للتهكم الشعبي.
**خالد السرتي.. الواجهة الإخوانية في واشنطن
وراء الكواليس يقف خالد السرتي، القيادي الإخواني الذي برز كأحد أذرع التنظيم في الإعلام الرقمي، إذ يقود منذ سنوات حملات إلكترونية لتزييف الوعي وترويج الفوضى عبر قنوات يوتيوب وصفحات فيسبوك، مستغلا أدوات الذكاء الاصطناعي لإنتاج صور وفيديوهات مزيفة، سواء لرموز سياسية، أو فنية، أو رياضية، ويشاركه في الدعوة لتلك الثورة الوهمية الرجل المقنع حسب وصف نفسه.
كان السرتي عضوا بارزا في حزب الحرية والعدالة، الذراع السياسية لجماعة الإخوان إبان فترة حكمها، وشارك في لجان التعبئة الإعلامية والدعاية الإلكترونية للحزب قبل سقوط الجماعة في 30 يونيو 2013، وبعد سقوط حكم الإخوان، غادر السرتي مصر متجها إلى الولايات المتحدة الأمريكية، حيث استقر هناك واتخذ من واشنطن منبرًا للتحريض ضد الدولة المصرية.
منذ انتقاله، لم يتوقف السرتي عن إطلاق دعوات للفوضى من الخارج، مستخدما شعارات مزيفة عن الحرية، واللديمقراطية، بينما في الواقع يعمل بتنسيق كامل مع قيادات إخوان إسطنبول مثل يحيى موسى، ومحمد إلهامي ومحمد منتصر، الذين يديرون من تركيا غرفة عمليات "ميدان".
وبات السرتي حلقة وصل بين هذه القيادات وبين ما تبقى من عناصر الجماعة في الخارج، مقدمًا نفسه كإعلامي معارض، بينما يمارس دورا وظيفيا في خدمة مشروع الفوضى.
يتلقى السرتي دعما ماليا من منظمة "كير" الإخوانية بأمريكا، التي تُعد واحدة من أبرز واجهات جماعة الإخوان هناك، حيث توفر له غطاءً ماليًا ولوجستيًا تحت ستار الدفاع عن حقوق المسلمين، و مكافحة الإسلاموفوبيا.، كما يحصل على تبرعات من أفراد الجالية الإخوانية، بجانب تمويل إعلامي مباشر من شبكات محسوبة على التنظيم الدولي، حيث يشمن له هذا التمويل بقاء حملاته الرقمية نشطة رغم ضعف صداها الشعبي، ويكشف عن ارتباطه الوثيق بمشروع "ميدان" كأحد أبواقه الرئيسية في الغرب.
**منظمة "كير".. واجهة الإخوان في أمريكا
تأسست منظمة "كير" الإخوانية في واشنطن أوائل التسعينيات، وظهرت في البداية كمنظمة حقوقية للدفاع عن المسلمين في الولايات المتحدة، لكن تقارير أمريكية وأوروبية أكدت لاحقا أنها إحدى أبرز الواجهات السياسية والإعلامية لجماعة الإخوان المسلمين في الغرب.
عملت "كير" على بناء شبكة علاقات مع مراكز صنع القرار والإعلام الأمريكي تحت شعار "محاربة الإسلاموفوبيا"، لكنها في الواقع وفّرت غطاء ماليا وقانونيا لعدد من نشطاء الإخوان الهاربين، وساهمت في تمويل مشاريع إعلامية ودعائية مرتبطة بالتنظيم الدولي، ومن بين المستفيدين من دعمها خالد السرتي، الذي يحصل على مساعدات مالية ولوجستية لتأمين نشاطه الإعلامي التحريضي من واشنطن، في الوقت الذي ينسق فيه مع قيادات إخوان إسطنبول لترويج مشاريع الفوضى مثل "ثورة المفاصل".
**التنسيق مع "ميدان".. الوكر الجديد للفوضى
لم تكن حملة "ثورة المفاصل" مبادرة فردية، بل امتداد لمشروع أوسع يقوده تيار "ميدان" في إسطنبول، وهو المشروع الذي أسسه يحيى موسى المتهم الأول في قضية اغتيال النائب العام هشام بركات، ومؤسس حركة حسم الإرهابية إلى جانب علاء سماحي، ومحمد إلهامي، ومحمد منتصر، ورضا فهمي، وأحمد مولانا، وغيرهم من رموز تيار التمكين الجديد داخل الإخوان.
"ميدان" ليس مجرد كيان إعلامي، بل غرفة عمليات متكاملة لإدارة الحرب النفسية ضد الدولة المصرية، حبث تقوم فكرته على المزج بين الدعاية السوداء، والدعوات الفوضوية واستغلال القضايا الاجتماعية لإعادة إنتاج سيناريو الفوضى، ولك تكن حملة "ثورة المفاصل" إلا جزءا من هذا المخطط، حيث يجري التنسيق بين خالد السرتي وقيادات ميدان من حيث التمويل والدعم اللوجستي.
**الفشل قبل البداية
على الرغم من محاولات الإخوان الضخمة للترويج، إلا أن "ثورة المفاصل" فشلت قبل أن تبدأ، لعدة أسباب أهمها ضعف المصداقية، إذ إن استخدام فيديوهات مفبركة بالذكاء الاصطناعي كشف سريعا حجم الكذب والتضليل، بالإضافة إلى غياب الحاضنة الشعبية، فالمصريون أدركوا مؤامرات الجماعة منذ 2011 وحتى 2013، ولم يعد الشارع قابلا للتجاوب مع هذه الدعوات، فضلا عن تفكك التنظيم، فالصراع بين جبهة لندن وجبهة إسطنبول وتيار التغيير جعل الخطاب الإخواني متناقضا ومشوّشا، كما ساهمت اليقظة الأمنية، والمتابعة الدقيقة من أجهزة الدولة لأي محاولات تحريضية، في كشف مصادرها ودوافعها مبكرا.
"ثورة المفاصل" على خطى "ثورة الغلابة" الفاشلة
لم تكن هذه المحاولة الأولى؛ فالجماعة سبق أن أطلقت دعوات مشابهة تحت مسميات مثل ثورة الغلابة في 11 نوفمبر 2016، وثورة يناير الجديدة، وكلها انتهت بالفشل الذريع.
الجديد أن التنظيم بات يلجأ لتقنيات الذكاء الاصطناعي، لكن النتيجة لم تختلف؛ فقد انكشف التزوير وأصبح دليلا على إفلاس الجماعة.
لجوء الإخوان إلى فبركة مقاطع فيديو لرموز رياضية مثل أبو تريكة وغيره يعبّر عن يأس شديد وفقدان أدوات الإقناع، غي وقت يحاول فيه التيار الذي يقوده يحيى موسى عبر حركة ميدان إعادة إنتاج خطاب التمكين بالقوة بعد أن تآكل مشروع الاستضعاف، لكن البيئة الإقليمية والدولية لم تعد تسمح بأي عودة لمغامرات الإخوان ومراهقتهم السياسية، فلم يعد يقبل الجمهور المستهدف هذا الخطاب، خاصة بعد انكشاف علاقات الجماعة المشبوهة مع قوى خارجية، ودورها في نشر الفوضى والإرهاب في المنطقة.
"ثورة المفاصل" لم تكن سوى فصل جديد من فصول الوهم الإخواني، وحملة إعلامية بلا رصيد شعبي، حاولت توظيف التكنولوجيا الحديثة لإعادة إنتاج خطاب قديم فقد بريقه. غير أن النتيجة جاءت عكسية، إذ تحولت إلى أداة لتعريه الجماعة أمام الرأي العام، وأثبتت أن مشروع الفوضى لم يعد له مكان في وعي المصريين.
فشل هذه المحاولة يضيف إلى سجل طويل من إخفاقات التنظيم، ويؤكد أن الرهان على الشارع المصري بات خاسرًا، وأن مصر تجاوزت زمن الانخداع بأوهام "الثورات المعلبة" التي تُدار من الخارج.





